انتخاب عون وتسمية سلام.. متى يركب حزب الله قطار التغيير؟

أثبتت تسمية نواف سلام رئيسا لحكومة لبنان الجديدة أن حزب الله لم يتكيف بعد مع واقعه السياسي والعسكري الجديد بعد نتائج “حرب الإسناد” الكارثية. فملامح رئيس كتلة الحزب البرلمانية محمد رعد عقب لقائه بالرئيس اللبناني جوزيف عون نطقت بما لم يقله لسانه ووصفه مؤيدو الحزب على مواقع التواصل بأنه “انقلاب” على اتفاقات وتفاهمات.

فرغم أن رعد اتهم الأطراف الأخرى بالإلغاء والإقصاء والكيدية، حاول الإيحاء بأن قبولهم بانتخاب عون كان أشبه بمجاملة ضمن مبادرة منهم للحصول لاحقا على مكاسب في العهد الجديد ودور في اختيار رئيس الحكومة.

لكن الواقع وفق معارضي الحزب هو خلاف ذلك فليس هناك لا اتفاق ولا تفاهمات، فجوزيف عون حصل من الجولة الأولى على ٧١ صوتا من أصل ١٢٨. ورغم أن النسبة أقل من الثلثين، إلا أنها أكثر من النصف زائد واحد. وبالتالي يمكن انتخاب أي لبناني غير عون من الطائفة المارونية بهذه النسبة في الدورة الثانية إذا فشل في الحصول على الثلثين بالدورة الأولى. كما أن خطاب القسم الذي تلاه عون شدد على ضرورة حصل السلاح بيد الدولة وتطبيق القرار الدولي ١٧٠١. يضاف إلى ذلك، أن عون رفض طلب رعد تأجيل موعد استشارة كتلة حزب الله البرلمانية بعد أن تبين اكتساح نواف سلام لتسميات النواب.

وحسب ما يرى هؤلاء المعارضون فإن هذا الواقع المؤلم لحزب الله الذي اعتاد على فرض قراره والتهديد والوعيد وممارسة فائض القوة أمام بقية شركائه في الوطن، دفع محمد رعد للتلويح بعدم اعتراف الحزب في الحكومة إذا لم تكن “ميثاقية” وناقضت العيش المشترك، مما يثير مخاوف من قرارات انتحارية يقدم عليها الحزب تعمق من الشرخ الوطني.

و”الميثاقية” هذه بدعة لبنانية لا وجود دستوري لها تفيد بأن الحكومة يجب أن تعكس التمثيل السياسي الطائفي ضمن عملية محاصصة منذ اتفاق الطائف. وتحت شعار “الميثاقية”، يذكر اللبنانيون جيدا كيف حاصر حزب الله وحلفاؤه مقر رئاسة الحكومة في عهد فؤاد السنيورة في ٢٠٠٦ بعد انسحاب الوزراء الشيعة منها، قبل أن يستخدم الحزب لاحقا سلاحه بوجه اللبنانيين في أحداث ٧ مايو ٢٠٠٧ لفرض معادلات سياسية لم يستطع تحقيقها داخل المؤسسات الدستورية. وتحت شعار “الميثاقية” أيضا، لا ينسى اللبنانيون كيف فرض حزب الله اسم حسان دياب رئيسا للحكومة خلافا لرغبة غالبية السنة قبل أن تطيح به آثار تفجير مرفأ بيروت في ١٤ آب ٢٠٢٠، ويسمى نجيب ميقاتي رئيسا للحكومة.

إن تسمية ٧١ نائبا لنواف سلام لتشكيل للحكومة تشكل تحولا جذريا في المشهد السياسي اللبناني. فاسم سلام الدبلوماسي العتيق والقاضي الدولي المرموق كان قد طرح من قبل القوى التغييرية التي تقود حراك “ثورة ١٧ تشرين” بعد استقالة حكومة سعد الحريري في ٢٠١٩، إلا أن حزب الله وحلفاءه فرضوا حسان دياب حينها بحكم وجود أكثرية تدعمهم في مجلس النواب.

لكن سلام يجيء اليوم إلى رئاسة الحكومة قادما من محكمة العدل الدولية التي يرأسها، ليشكل أولى الحكومات في عهد جوزيف عون القادم بدوره من قيادة المؤسسة العسكرية، مما يعطي دفعة أمل وثقة لدى اللبنانيين والمجتمع الدولي خصوصا أن الإسمين من خارج منظومة التوريث السياسي والطبقة السياسة ولم يتلوثا بفسادها ولا بدماء اللبنانيين ولا العرب.

كما أن تسمية نواف سلام لمنصب رئيس الحكومة وهو أعلى منصب للطائفة السنية في لبنان يكسر قاعدة التوريث العائلي والإقطاع السياسي في المناصب. ورغم أن سلام هو ابن شقيق الزعيم البيروتي ورئيس الحكومة الأسبق صائب سلام، إلا أنه منذ أن شق مساره القضائي والدبلوماسي كان خارج التصنيف السياسي الطائفي والواسطة العائلية. فهو رجل تكنوقراط تعكس مواقفه توجها وطنيا مستقلا وعروبيا حضاريا وداعما للقضية الفلسطينية. ولعل تسميته تشكل فرصة للسنة في لبنان على الخروج من عباءة الزعامات والأحزاب التقليدية والتوريث السياسي وتقديم نماذج جديدة عنوانها الكفاءة والنزاهة.

ركز سلام في خطاب تكليفه على جملة من التحديات أهمها إعادة الإعمار التي ربطها بتطبيق القرار الدولي ١٧٠١ وفرض الانسحاب الإسرائيلي وبسط سلطة الدولة على كامل أراضيها، كما جاء في اتفاق الطائف. ولعل في تركيز سلام على تنفيذ أحكام الطائف وتصحيح ما نفذ منها خلافا لروحه، إشارة إلى التزام لبنان بعمقه العربي الذي رعى الاتفاق عام ١٩٨٩ بدلا من اللجوء إلى حلول التدويل في مجلس الأمن تحت الفصل السابع.

والمستمع بدقة لخطاب نواف سلام يجد تماهيا بينه وبين خطاب جوزيف عون لجهة عدم الاعتراف بأي سلاح خارج سلطة الدولة، إضافة إلى ضرورة تحقيق العدالة في تفجير مرفأ بيروت والذي تثار الشبهات حول حزب الله ونظام الأسد المخلوع بالتورط فيه. فالخطابان لم يميزا “سلاح المقاومة” كعادة الخطابات السابقة، ولم يتضمنا المعادلة الشهير “جيش شعب مقاومة” التي فرضها حزب الله في محاولة لتشريع سلاحه.

يدخل لبنان المنهك على كل المستويات مرحلة جديدة من تاريخه محاولا التقاط أنفاسه بالحصول على دعم عربي واعتراف وقبول دولي. وما زالت الفرصة مفتوحة أمام حزب الله لركوب قطار التغيير بدلا من عرقلة مساره والتكيف مع واقع إقليمي ودولي حرصا على مصلحة ما يمثل من الطائفة الشيعية بدلا من المضي بالانتحار بها كما جرى في “حرب الإسناد”. ولعل حديث محمد رعد أن بتوافقهم على انتخاب جوزيف عون كان الحزب يأمل أن يلاقي يدا ممدودة بتسمية رئيس الحكومة، أوضحه نواف سلام في اليوم التالي بأنه ليس من أهل الاقصاء والاستبعاد وأن يديه ممدودة إلى الجميع للانطلاق في مهمة الإنقاذ.

أضف تعليق