المقال منشور في “القدس العربي” بتاريخ ٣١ يناير ٢٠٢٥
منذ النكبة الفلسطينية عام 1948 وقضية اللاجئين تشكل عبئا ثقيلا عليهم أولا، وعلى دول الجوار ثانيا، من دون أي أفق واضح للنهوض بواقعهم الحقوقي والمعيشي المزري ولا لطمأنة الدول المضيفة من فزاعة التوطين. فالمسألة يجري ربطها بشكل وثيق بقضية حق العودة، وأن أي محاولة لتجنيس هؤلاء اللاجئين ستكون حكما توطينا لهم، وإسقاطا لحق العودة، وتصفية للقضية الفلسطينية، عدا عن أن بعض دول الجوار تتخوف من تغيير في تركيبتها الديموغرافية، سواء القبلية أو حتى الطائفية باعتبار أن غالبية اللاجئين هم من المسلمين السنة.
ومع سقوط نظام بشار الأسد وتسلم الإدارة السورية الجديدة، وتعيينها اللاجئ الفلسطيني غياث دياب وزيرا للنفط، حتى غرقت مواقع التواصل في جدل بين من يؤيد هذه الخطوة ويعتبرها إنصافا لهذه الشريحة ودعما لكفاءاتها، وآخرين اعتبروا أن القرار فيه ظلم لكفاءات سورية، محذرين من محاولات للتوطين.
في هذه الأثناء، كان آلاف السوريين من الذين انتهى بهم المطاف لاجئين، لاسيما في أوروبا قد حصلوا على جنسيات الدول المضيفة، أو الإقامات مع كل ما تشملها من حقوق وواجبات. إذ أنه خلال التغريبة السورية، استوعبت حكومات غربية كفاءات السوريين من خلال تجنيس من استوفي شروط الإقامة القانوني. وبلغ الأمر الآن بحكومات مثل ألمانيا أن تبدي تخوفها من عودتهم بعد هروب الأسد، لما يشكله ذلك من نقص في اليد العاملة الماهرة. ورغم استمرار محنة لجوء السوريين القاسية 13 عاما، ما زالت تغريبة الفلسطينيين قائمة منذ 77 سنة في أقسى الظروف الإنسانية وأصعبها، والحرمان من الحد الأدنى مما نص عليه الإعلان العالمي لحقوق الإنسان ببنوده الثلاثين، بما فيها حق الجنسية.

وبينما كان يدعي نظام الأسد أنه يساوي بين أوضاع حوالي نصف مليون لاجئ فلسطيني والسوريين لجهة حقوق أساسية مثل، التعليم والصحة والعمل وغيرها، خلافا لوضعهم في لبنان، فإنه بالفعل كان يساوي بينهم لكن في الظلم والمعاناة والاضطهاد. فاللاجئون الفلسطينيون في سوريا كما كل السوريين لم يخل سجن أو معتقل منهم، ولم تسلم عائلة فلسطينية من تشبيح النظام وطغيانه ومجازره، بما في ذلك مجزرة حي التضامن.
من جهة ثانية، انخرط اللاجئون الفلسطينيون في سوريا في الحراك الثوري منذ انطلاقته، خصوصا في مخيم الرمل في اللاذقية، ولاحقا في مخيم اليرموك جنوبي دمشق، الذي دمره نظام الأسد بحقد شديد وشرد أهله في مشهد تراجيدي لا ينساه أحد كان أشبه بتغريبة ثانية. إذ لا يخفى على أحد كيف استغل النظام السوري الفصائل الفلسطينية الموالية له، لاسيما جيش التحرير الفلسطيني والجبهة الشعبية القيادة العامة وغيرها في معارك بوجه الثوار، خاصة من أبناء المخيمات الفلسطينية الذي شكلوا فصائل ثورية مثل كتائب أكناف بيت المقدس.
يبدو أن الإدارة السورية الجديدة منفتحة على معالجة الظلم التاريخي للاجئين الفلسطينيين في سوريا. إذ كان تعيين وزير النفط منهم سابقة تاريخية، تأتي ضمن انفتاح الحكام الثوار على احتواء من يعرفون بالمهاجرين، وهم المقاتلون الأجانب في صفوف الثورة.
لقد كانت سوريا تاريخيا قبلة للمظلومين، واستوعبت أعراقا وأديانا مختلفة مثل الأرمن والشركس والتركمان وغيرهم. وبينما يتشارك الفلسطينيون في سوريا مع السوريين مكان الولادة والإقامة واللغة والدين والثقافة والمعاناة، قد يكونون هم الأولى اليوم بمنحهم الجنسية السورية.
أما في مسألة حق العودة، فإن هذا الحق لا يسقط بحصول الإنسان على جنسية أخرى. إذ يكفل ذلك القانون الدولي في البند 13 في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، إضافة إلى قرارات الأمم المتحدة، لاسيما 194 وكذلك معاهدة جنيف الرابعة. كما أن الفلسطينيين أنفسهم هم من أكثر الشعوب تمسكا بأرضهم، فيكفي للمرء منا أن يسير في أزقة أي مخيم، أو أن يزور أي تجمع للفلسطينيين حول العالم، ليجد كيف أن كل طفل يعرف تماما لأي قرية يعود أصله ولأي ثقافة ينتمي.
لذلك فإن السوريين اليوم مطالبون بكل أطيافهم التي سيعبر عنها البرلمان المقبل أن ينفتحوا على حل هذا التابو المصطنع، واحتواء أبنائهم وأشقائهم الفلسطينيين والاستفادة من كفاءاتهم. وهم بالفعل كذلك إذ أن صلات القربى والنسب قائمة ومنتشرة بين عائلات الشعبين أو الشعب الواحد. لكن قبل ذلك، أو ربما بشكل مواز، لا بد لسوريا الجديدة أن تنصف أبناء السوريات المحرومين من جنسية أمهاتهم وجريمتهم الوحيدة أنهم من أب أجنبي. فلم تعد هناك دول باستثناء قلة تعيش خارج التاريخ ترفض هذا الحق الطبيعي.
كما أن الإدارة الجديدة مطالبة بحل مشكلة السوريين الكرد، الذين حرمهم نظام البعث من جنسيتهم وهم كانوا من أركان الثورة ضده في القامشلي والحسكة وعامودا وغيرها من المدن. فسوريا كبيرة بتنوعها وتتسع لكل أبنائها، فكيف الحال وإن كانوا من المظلومين أو الثوار المخلصين.