في كره “البعث”.. لا العروبة

كما يدل عنوان هذه المقالة فهي تؤكد كرهي لحزب البعث العربي الاشتراكي بكل تشظياته. كما أتعمد في مقالاتي أن أسميه حزب العبث لا البعث، وكأنها خطأ مطبعي، بل أن تأسيس الحزب كان خطأ تاريخي.

تابعت حالي حال ملايين السوريين والمهتمين بالشأن السوري نتائج مؤتمر النصر الذي عقدته إدارة العمليات العسكرية في ٢٩ يناير. 

وبينما توقف البعض عند قرار تنصيب أحمد الشرع رئيسا أو احتفى بقرارات أخرى أو تساءل عن جدوى بعضها الآخر، فإن البند السادس كان بالنسبة لي الأكثر اهتماما وترقبا. 

ويقضي البند بـ”حل حزب البعث العربي الاشتراكي، وأحزاب الجبهة الوطنية التقدمية، وما يتبع لها من منظمات ومؤسسات ولجان، ويحظر إعادة تشكيلها تحت أي اسم آخر، على أن تعود جميع أصولها إلى الدولة السورية”.

فهذا الحزب الذي أسسه السوري ميشال عفلق في ٧ إبريل ١٩٤٧ كان نكبة استبقت النكبة ولم يجلب سوى الخراب على “الأمة العربية الواحدة”، ولم يحقق شيئا من شعاراته بل أنه تعمد تطبيق نقيضها وحول دول سيطرته إلى ديستوبيا حيث الشر المطلق. فهذه الأمة “ذات الرسالة الخالدة” كان مطية لوصول جهلة وسايكوباثيين ومجرمين ومرضى بعقد نقص طائفية أو طبقية إلى السلطة سواء في سوريا أو العراق. فـ”الأمة” حولها عبث البعث إلى أمة متشرذمة متقاتلة فيما بينها يقودها بلطجية يحملون رتبا ويرتدون بذات عسكريا سرعان ما يبدلونها بملابس مدنية وصفات دستورية يضاف إليها الكثير من الألقاب التعظيمية التأليهية التمجيدية.

فشعار “الوحدة” الذي رفعه البعث تجلى أولا في فشله في الحفاظ على وحدته فكيف كان سيحقق وحدة الأمة. بلغت تشظيات حزب البعث في سوريا والعراق والانقلابات المتعاقبة والخيانات بين قادته حدا لا يوصف إلى درجة أن مؤسس الحزب عفلق  فر إلى العراق خوفا من بطش حافظ الأسد وصلاح جديد ورفاق الحزب بعد انقلاب اللجنة العسكرية في ٨ مارس ١٩٦١. وليس عجيبا أن ينقلب الأسد لاحقا على رفاقه في حركته التخريبية في ١٦ نوفمبر ١٩٧٠  ويزج بهم في المعتقلات أو  يغتالهم.

أما في العراق فلم يكن الأمر مختلفا فـ”مجزرة الرفاق” بتوقيع صدام حسين شاهدة على مصائب الحزب التي لم يسلم منها حتى أقاربه بما فيهم زوجا ابنتيه. حتى أن وصول صدام إلى السلطة لم يكن إلا على بحر من الدماء ابتداء بمحاولة اغتياله عبد الكريم قاسم وصولا إلى الإطاحة بأحمد حسن البكر ووفاته لاحقا وقبلها ظروف مقتل عبد السلام عارف الغامضة.

كما أن “الوحدة” في مفهوم البعث هي أن يقوم الرفيق أمين عام الحزب والذي يفترض أنه رئيس الدولة أن يعبث بدول المنطقة واستقرارها ويتدخل في شؤونها بما في ذلك عسكريا، مثلما فعل الأسد في لبنان والأردن والملف الفلسطيني وكذلك العراق. أما في بغداد، فإن مفهوم “الوحدة” القسرية تجلى في احتلال صدام للكويت وإدخال بلاده في عقود من الحصار والعداء مع محيطها العربي لا سيما الخليجي.

أما “الحرية” ففهمها قادة البعث أنها حريتهم في ارتكاب ما يريدون دون حسيب أو رقيب. فكان طوفان من الظلم والاضطهاد والقمع والاستبداد والديكتاتورية والشمولية وكل ما أنتجت معاجم اللغة من صفات. إذ تكفي لمحة خاطفة لعقود حكم استبداد البعث في سوريا أو العراق وما خلفت من معتقلات ومقابر جماعية وقوائم بعشرات آلاف المفقودين لتشير إلى مفهوم “الحرية” عنده. هي حرية تبيح للقائد أن يبقى إلى الأبد أو أن يقوم أبناؤه بتحويل البلاد إلى بؤرة للجريمة المنظمة ومركزا لصناعة وتصدير المخدرات.

وأخيرا “الاشتراكية” فكانت مظاهر تطبيقها في تراكم ثروات الرفيق القائد وأفراد عائلته وكبار  بطانته الطالحة. و”الاشتراكية” كانت المشاركة في الفساد على كل المستويات لتصبح الرشوة والإتاوة إحدى أبرز أسس النظام الاقتصادي الفاشل الذي أذاق العراقيين والسوريين الجوع والحرمان والتهميش وجعل بلادهم متهالكة لتعلق المسؤولية على شماعة الإمبريالية الأمريكية وإسرائيل.

ولا بد من الإشارة سريعا إلى حالة التجريف الفكري التي بثها الحزب عبر مفكريه وأدبياته. فالحزب وإن لم يكن شيوعيا، كان مسؤولا عن انتشار “الشعوبية المعاكسة” المعادية للإسلام باسم القومية العربية وقيم العلمانية. وفي واقع الأمر، فإن الحزب دفع العروبيين إلى كره قوميتهم وكفرهم بعروبتهم من خلال ممارسات. فمن عبث البعث أن حول العروبة الرابطة الحضارية الثقافية اللغوية الاجتماعية التي تجمع ولا تفرق إلى مفهوم عنصري فاشي انعكس حتى على ملامح الدولة ومؤسساتها لا سيما التعليمية والشبابية من المناهج حتى الملابس.

لذا فإن حل حزب البعث بعد ٧٨ عاما على تأسيسه لهو فرصة لإعادة الاعتبار إلى مفهوم العروبة الحضارية الجامعة التي تلم شمل أبنائها من الناطقين بلهجاتها ويعيشون في كنفها الثقافي الكبير والمتنوع، فنسبهم فيه الكثير من القربة وتاريخهم كله مشتركات، ومستقبلهم يرسمه التعاون والتضامن بينهم وسط جبال من التحديات.

أضف تعليق