سباق التسلح الأمريكي بوجه الصين.. كيف يموله العرب؟

بينما أواكب أخبار منطقتنا من غزة إلى سوريا وصولا إلى السودان، يتقافز أمام أنظاري في غرفة الأخبار رقم بأصفار كثيرة يسمى تريليون. ولمن يكره الأرقام ويجد صعوبة مثلي في تخيله فهو الألف مليار.

والتريليون دولار هذا، وفق رئيس إنفيديا جنسن هوانغ، ليس سوى قيمة استثمارات سترصد خلال السنوات الخمس المقبلة في سباق تسلح أمريكي صيني لتطوير الذكاء الاصطناعي. وتبين لي أننا نحن العرب لنا حصة فيها ليست بالزهيدة، فالطموحات معلقة على ثروات دولنا العربية الخليجية في حرب باردة جديدة لكن من نوع آخر هذه المرة.

فالرئيس التنفيذي السابق لغوغل ورجل الأعمال إريك شميدت، خلال حديث مع طلاب جامعة ستانفورد صيف 2024، خلص إلى أن الولايات المتحدة لا تمتلك ما يكفي من الطاقة الكهربائية لمنافسة الصين. ورأى أن الحل البديل هو أن نمول نحن العرب الذكاء الاصطناعي!

وخلاصة شميدت قبل أن تخرج للعلن كان أوصى بها إدارة جو بايدن، داعيا إياه إلى تعزيز التعاون مع كندا أيضا لما تمتلكه من طاقة كهرومائية.

وخلال الأيام الماضية، راقبت بحماس المشجعين، جولة من المواجهة الصينية الأمريكية من خلال الكشف عن نموذج DeepSeek الصيني ومقارنة أدائه بنماذج أمريكية عدة مثل ChatGPT وCopilot وGrok وGemini وغيرها. جولة ألقت الرعب في دوائر صنع القرار الأمريكي، بما في ذلك البيت الأبيض، بعد أن كشفت لهم حجم التطور الصيني في هذا المضمار.

وفي هذا السباق من التسلح الفريد من نوعه، لبلوغ الذكاء الاصطناعي العام AGI والخارق، تزداد الحاجة إلى صناديق الثروة لدولنا الخليجية. إذ أن ترسانة الذكاء الاصطناعي تكلف مليارات الدولارات وتقوم على بناء مراكز بيانات عملاقة مكونة من آلاف الخوادم لتدريب الخوارزميات عليها. وتحتاج هذه المراكز إلى طاقة كهربائية مهولة لتشغيلها، وكميات وفيرة من المياه لتبريدها، وكذلك رقائق معالجات إلكترونية لتفعليها، هذا عدا عن مساحات شاسعة من الأراضي لتقام عليها هذه المنشآت.

 

مواجهة داخل البيت الأمريكي

لا يقتصر سباق التسلح هذا على قطبية الصين وأمريكا وإنما يحتدم حتى تحت سقف البيت الواحد. ففي الولايات المتحدة، أستمتع بمتابعة الحرب الضروس بين إيلون ماسك رئيس شركة xAI للذكاء الاصطناعي وبين سام ألتمان رئيس شركة OpenAI. منافسة جعلت ألتمان يرفض عرض ماسك الاستحواذ على شركته مقابل 97.4 مليار دولار. وماسك كان قد ضمن استثمارات سعودية عبر شركة المملكة القابضة وجهاز قطر للاستثمار وهيئة الاستثمار العمانية عبر جولة استثمارية بلغت قيمتها 6 مليارات دولار. بينما حجز ألتمان مقعدا لشركته ضمن مشروع Stargate الذي يرعاه الرئيس دونالد ترمب وتصل تكلفة تمويله إلى 500 مليار دولار. 

 

منافسة خليجية

وفي داخل بيتنا الخليجي والمنطقة، تصدرت الإمارات مشهد المنافسة في مجال الذكاء الاصطناعي حتى الأمس القريب. فاهتمام نائب حاكم إمارة أبوظبي ورئيس مجلس إدارة جهاز أبوظبي للاستثمار الشيخ طحنون بن زايد في هذا المجال بدأ مبكرا جدا. وظهر إلى العلن مع بناء الإمارات للكومبيوتر الخارق “هيدرا” في 2005. وتبلور ذلك مع الوقت لتنقل مجموعة G42 التكنولوجية الإماراتية، أبوظبي إلى قوة عظمى في الذكاء الاصطناعي والتكنولوجيا الحيوية. ثم تتعدى استثمارات أبوظبي حدود الدولة حيث أنشأت في سبتمبر 2024 كيانا استثماريا بالشراكة مع بلاك روك ومايكروسوفت بقيمة 100 مليار دولار لبناء مراكز بيانات ومحطات طاقة في الولايات المتحدة. 

ومع تولي الأمير محمد بن سلمان ولاية العهد في السعودية وتدشينه لرؤية 2030، برز لديه حرص شديد على تسيد هذا المجال في المنطقة والمنافسة فيه عالميا من خلال أن تكون المملكة مقرا لمراكز بيانات عملاقة. وترجم ذلك من خلال استثمارات وشراكات عالمية وإنشاء صندوق بقيمة 40 مليار دولار للاستثمار في الذكاء الاصطناعي يشرف عليه صندوق الاستثمارات العامة. وتتطلع السعودية إلى إطلاق “مشروع التفوق” بقيمة 100 مليار دولار للاستثمار في مراكز البيانات والشركات الناشئة والبنية التحتية لتطوير الذكاء الاصطناعي.

وأعتقد أن جذب السعودية والإمارات وقطر وكذلك عمان اهتمام رؤساء شركات التكنولوجيا العملاقة ومن خلفهم الإدارة الأمريكية ليس لثروتها الوفيرة وضخامة صناديقها السيادية الاستثمارية فحسب، وإنما لأربعة عوامل رئيسية: 

الأول، هو ريادة هذه الدول لا سيما السعودية والإمارات في الاهتمام بمجال الذكاء الاصطناعي والاستثمار فيه الذي بلغ حد التنافس بينهما. 

ثانيا، توفر البنية التحتية المتينة اللازمة لبناء وتشغيل مراكز البيانات من أراض شاسعة وطاقة كهربائية ومياه للتبريد.

ثالثا، الملاءة المالية للاستثمار الاستراتيجي بما في ذلك شراء رقائق المعالجات الإلكترونية فائقة السرعة وباهظة الثمن. 

رابعا، سحب البساط من تحت أقدام الصين في المنطقة بعد أن تسللت إلى بنيتها التحتية وشبكات أليافها الضوئية وأبراج اتصالاتها من الجيل الخامس عبر شركة هواوي. 

 

لكن رغم التطمينات لترمب وإدارته بشأن ضمان عدم استخدام تقنيات الذكاء الاصطناعي ضد الولايات المتحدة أو الخوض في شراكات مع الصين، ستستمر الإدارة الأمريكية في فرض قيود تصدير على رقائق المعالجات الإلكترونية لأن الأمر بالنسبة إليها قضية أمن قومي. كما أن إريك شميدت الذي يريد منا تمويل الذكاء الاصطناعي للولايات المتحدة كان أبدى تخوفه من تكرار “سيناريو أسامة بن لادن” أي خروج التقنية عن سيطرة الحكومات واستخدامها في هجمات إرهابية.

أضف تعليق