نتنياهو وترمب.. دليل حكم يميني شعبوي واحد

تكشف إقالة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو لرئيس جهاز الأمن العام “الشاباك” رونين بار عن سياسة ممنهجة في إبعاد الأصوات المعارضة داخل مؤسسات صنع القرار الإسرائيلية واستبدالها بمسؤولين آخرين ينتمون لفريق “حاضر سيدي”. وهذا الفريق أبرز ما يميزه الولاء الشخصي المطلق لرئيس الحكومة على حساب مؤسسات الدولة والقوانين. وبذلك يسعى نتنياهو لتحويل إسرائيل إلى عزبة أبيه أستاذ التاريخ بن صهيون دون أدنى مبالاة بالاستقطاب الحاد داخل المجتمع الإسرائيلي بين اليمين واليسار والذي ينذر بانفجار شعبي إذا ضاقت السبل السياسية أكثر من ذلك. 

حرب على الدولة  

وفي عملية التطهير السياسية هذه، يستعير نتنياهو ذريعة الرئيس الأمريكي دونالد ترمب، ليقول إنه يواجه هو أيضا “دولة عميقة يسارية تقوم بتسليح النظام القضائي لإحباط إرادة الشعب”. 

وإقالة بار تأتي ضمن سياق حرب إقصاء لكل معارضي نتنياهو، وكذلك بعد تحقيق يجريه الشاباك في مزاعم تلقي مستشارين لرئيس الحكومة مبالغ مالية من دولة قطر لتحسين صورتها في إسرائيل خلال الحرب. 

وقد سبقتها ضغوط مارسها نتنياهو ووزير دفاعه يسرائيل كاتس على رئيس الأركان هرتسي هاليفي لتعيين إيال زامير مكانه. ويحسب لزامير في سيرته الذاتية أنه خلافا لسلفه لم يرفض أمرا لنتنياهو. بينما هاليفي الذي قاد أطول وأعقد حروب إسرائيل في تاريخها على جبهات غزة ولبنان واليمن وإيران يلقى على كاهله وحده مسؤولية هجوم 7 أكتوبر، خلافا لنتائج تحقيقات الجيش والشاباك التي حملت المستوى السياسية المسؤولية أيضا.

وكان نتنياهو أيضا قد استبعد رئيس الموساد ديفيد بارنياع من رئاسة فريق التفاوض لاستعادة الرهائن واستبدله برون ديرمر صاحب الحظوة والتأثير لدى المحافظين المتصهينين في واشنطن. ومارس نتنياهو أيضا ضغوطا لدفع وزير الدفاع يوآف غالانت على الاستقالة بعد احتدام الخلاف بينهما. مشهد سبق وأن تكرر داخل مجلس الحرب وكانت النتيجة تفككه في خضم القتال باستقالة كل من غادي آيزنكوت وبني غانتس.

والآن يصوب نتنياهو سهامه على المستشارة القضائية للحكومة ورئيسة النيابة العامة غالي بهاراف ميارا التي يتهمها وزير العدل ياريف لفين بأنها الذراع الطويل لأعداء الحكومة. وخطأ ميارا أنها تريد تطبيق القانون والتدقيق في مدى شرعية إقالة بار عدا عن كونها مسؤولة بشكل أو بآخر عن ملاحقة نتنياهو في قضايا الرشوة والاحتيال وخيانة الأمانة.

كتالوغ الشعبوية اليمينية 

وللمفارقة فإن نتنياهو الذي بنى سيرته المهنية داخل مؤسسات الدولة في مناصب مختلفة يقرأ في نفس دليل الحكم اليميني الشعبوي الذي ينهل منه ترمب الدخيل على المنظومة الحكومية معارفه في إدارة أقوى دولة في العالم. وأعتقد أن ذلك يبدو واضحا في النقاط الأربعة التالية:

الأولى، استخدام شماعة الدولة العميقة في تبرير أي استخدام لأدوات الحكم الديمقراطية لمآرب سلطوية شخصية مثل إطاحة ترمب برئيس الأركان تشارلز براون، وكذلك بإرغام نتنياهو هاليفي على الاستقالة. 

الثانية، الاعتماد على مبدأ “الولاء الشخصي” في التعيينات في مراكز صنع القرار على حساب الكفاءة والمسار المهني والخبرات العملية. 

الثالثة، الاحتماء بتيار اليمين المتطرف في المواجهة السياسية مع المعارضة. فرغم أن نتنياهو ليكودي يميني وترمب جمهوري لكنهما ليسا من تيار المتدينين المتشددين، إلا أنهما يجدان في المتطرفين ضالتهما بمواجهة ما يتهمونهما “اليسار” الذين يدعون إلى الاحتكام إلى القوانين ومؤسسات الدولة. وقد تجلى ذلك في اقتحام الكونغرس في 6 يناير عام 2020، وكذلك في اقتحام المتشددين لمجمع المحاكم العسكرية الإسرائيلية في قاعدة بيت ليد دفاعا عن العسكريين المتهمين بارتكاب انتهاكات بحق الأسرى الفلسطينيين في معتقل سدي تيمان.

الرابعة، العمل بأي ثمن على إطالة البقاء في الحكم لتجنب المساءلات القضائية. فلولا فوز ترمب بالانتخابات لكان يقضي وقته الآن في السجن، بدلا من البيت الأبيض، بعد إدانته في محكمة بنيويورك بـ34 تهمة في قضية دفع أموال خلافا للقانون لشراء صمت الممثلة الإباحية ستورمي دانيال. وكذلك، يفعل نتنياهو الآن الذي يطيل أمد الحرب قدر الإمكان لشراء مزيد من الوقت في الحكم تجنبا للمحاكمة بفعل مسؤوليته السياسية عن الفشل في مواجهة هجوم 7 أكتوبر والقضايا الجنائية الأخرى.  

الهروب إلى الأمام.. إلى متى؟

وفي هذا السياق، يأتي أيضا استئناف نتنياهو الحرب على قطاع غزة بعد 59 يوما من وقف إطلاق النار. وجاء هذا القرار بعد إقالة بار وكذلك بعد إبعاد مبعوث ترمب لشؤون الرهائن آدم بولر عن ملف المفاوضات الذي وقع في زلة لسان عندما امتدح التواصل مع حماس وقال “نحن الولايات المتحدة، لسنا وكلاء لإسرائيل، ولدينا مصالح محددة”. وكان بولر منغمسا في أول مفاوضات مباشرة مع حماس في العاصمة القطرية لإطلاق سراح الأسير الأمريكي الإسرائيلي عيدان ألكسندر.تثبت هذه التطورات أن لوبي لجنة الشؤون العامة الأمريكية الإسرائيلية “آيباك” انتصر في هذه الجولة بممارسة الضغوط على إدارة ترمب لتوفير الغطاء لقرار استئناف الحرب الذي يسمح لنتنياهو بالهروب إلى الأمام. وإذا كان ترمب يعول في نهاية ولايته في 2028 على إصدار عفو يمنحه الحصانة من أي مساءلة سابقة ولاحقة وهو في سن الاثنتين والثمانين، فعلى ماذا يستند نتنياهو في تجدد القتال، فلا حماس استسلمت بعد 471 يوما من المجازر والقصف ولا حتى صواريخها توقفت عن استهداف تل أبيب. وهنا يلح عليّ سؤال عما إذا كان نتنياهو أطول رئيس وزراء حكما في تاريخ إسرائيل والملقب بـ”ملك الملوك” سيقود الدولة إلى اقتتال داخلي، لا سيما بعد خروج عشرات آلاف المتظاهرين ضد قرار حكومته باستئناف الحرب.

أضف تعليق