يترقب الأمريكيون معركة حامية الوطيس في ولاية ويسكنسن بعد يومين أي في الأول من إبريل. وهذه الموقعة المنتظرة ستكون على انتخاب قاض في المحكمة العليا للولاية. قد يقلل البعض بداية وأنا منهم من حجم هذه الانتخابات، لكن عندما رصدت مدى تركيز الرئيس دونالد ترمب ومعه إيلون ماسك على حث الناخبين إضافة إلى حجم الأموال المرصودة من الحزبين تبين أنها أقرب لانتخابات نصفية مبكرة. فالرئيس ترمب هو الوحيد الذي أحدث خرقا في الولاية في انتخابات 2016 و2024 منذ عام 1988 عندما فاز بأصواتها المرشح الديمقراطي مايكل دوكاكيس على الرئيس جورج بوش الأب. ومنذ ذلك الحين سيطر الديمقراطيون على الولاية التي حسبت في سنين طويلة على ولايات الجدار الأزرق الديمقراطي رغم أنها تاريخيا من الولايات المتأرجحة في الغرب الأوسط ومنطقة البحيرات الكبرى.
أغلى انتخابات قضائية
يتنافس في هذه الانتخابات القاضي براد شيميل المدعوم من الجمهوريين والقاضية سوزان كراوفورد التي يساندها الديمقراطيون. ويتوقع أن يحسم الفائز فيها الأكثرية داخل المحكمة العليا في الولاية المكونة من 7 قضاة سواء لصالح الجمهوريين أو الديمقراطيين. وتصنف هذه الانتخابات على أنها أغلى انتخابات قضائية في تاريخ الولايات المتحدة بعد تجاوز الإنفاق فيها 80 مليون دولار، بينها 20 مليون دولار من إيلون ماسك سواء عبر لجنة العمل السياسي “أمريكا باك” التي يدعمها أو بشكل مباشر. في المقابل، رصد الديمقراطيون ملايين أيضا قدمها كبار المتبرعين وفي مقدمهم حاكم ولاية إلينوي الملياردير جي بي بريتزكر والملياردير جورج سوروس.
لكن لماذا تعتبر هذه الانتخابات مهمة وحاسمة للحزبين مما دفع ترمب إلى حشد الناخبين للتصويت المبكر وإغراء ماسك لهم بتجمعات انتخابية يوزع فيها شيكات بقيمة مليون دولار للموقعين على عريضة ضد من سماهم “القضاة النشطاء”. أعتقد أن ذلك يعود للأسباب الثلاثة التالية:
أولا، تشكل انتخابات ويسكنسن أول سباق انتخابي منذ الانتخابات الرئاسية مما يجعلها استفتاء على شعبية ترمب وسياساته وقراراته مع اقترابه من أول 100 يوم على توليه الحكم.
ثانيا، سترسم النتيجة ملامح مستقبل الولاية السياسي في الانتخابات النصفية للكونغرس في 2026 ولاحقا في الانتخابات الرئاسية عام 2028 كونها ولاية متأرجحة. وستعتبر نتيجة هذه الانتخابات بالون اختبار لميول الناخبين فيها وتوجهاتهم.
ثالثا، تهدد هذه الانتخابات أغلبية الجمهوريين في الكونغرس في الانتخابات النصفية المقبلة لا سيما في مجلس الشيوخ ويجعلها على المحك. فقد حذر ماسك من أن هذه الانتخابات ستحدد كيفية ترسيم الدوائر الانتخابية في الولاية، بحيث سيدفع فوز الديمقراطيين إلى إعادة ترسيمها مما يتسبب في خسارة الولاية لمقعدين جمهوريين.

لذلك، نرى ترمب يشحذ كل شفرات لسانه في الهجوم على المرشحة الديمقراطية ويصفها بـ”اليسارية الراديكالية التي تصر على إعادة المجرمين المتمرسين الذين أبعدناهم إلى أماكن بعيدة، إلى بلادنا، والسماح للرجال بالمشاركة في الرياضات النسائية، وفتح الحدود”. ويحذر ترمب أنصاره من أن هذه الانتخابات “سباق كبير ومهم للغاية وقد يكون له تأثير كبير على مستقبل بلادنا”.
وفي منشورات متلاحقة على منصبة تروث سوشال بوقه الرقمي لاستثارة أنصاره من المحافظين على التصويت المبكر، يواصل ترمب باتهام القاضية سوزان بأنها “أصدرت مرارًا وتكرارًا أحكامًا مخففة على مرتكبي جرائم التحرش بالأطفال، والمغتصبين، وضرب النساء، والاعتداء المنزلي”. ويضيف أن سوزان “الصوت المختار بعناية من اليساريين الذين يسعون لتدمير ولايتكم وبلدنا”.
مال إيلون ماسك يتحدث
لكن ما يهم هنا أيضا برأيي هو حجم التغول في السياسية الذي يمارسه إيلون ماسك لدعم انتخابات قضائية. فهذا التدخل الواضح والصريح عبر منشورات على “إكس” بوعد المصوتين المبكرين بمكافأة مالية يوصف على أنه رشوة انتخابية، ويطرح علامات استفهام عن نزاهة الانتخابات المقبلة في 2026.
وبما أن لكل شيء ثمن عندما تتداخل السياسة مع عالم الأعمال، فيبدو أن دعم ماسك السخي يعتبر استثمارا لما سيجنيه في حال تحقيق الجمهوريين أغلبية في المحكمة العليا في ويسكنسن. فصاحب شركة تيسلا رفع دعوى قضائية في الولاية ضد قانون يمنع الشركات المصنعة للسيارات من امتلاك وكالات بيع خاصة بها ويحصر عملية البيع من خلال الوكلاء. هكذا إذن يستبق ماسك وصول قضيته إلى المحكمة العليا بمحاولة السيطرة على قرارها مسبقا في سباق انتخابي قضائي سيذكره التاريخ.