بعد اكتساح جونسون وقبله ترمب.. لماذا فشلت استطلاعات الرأي؟

مع إسدال الستار على نتائج الانتخابات البريطانية في ديسمبر/ كانون الأول 2019، كانت استطلاعات الرأي، والمناهج الكمية عموما عرضة لاتهامات بالإخفاق وبأنها غير ذات جدوى بسبب الفوز الكاسح لحزب المحافظين برئاسة بوريس جونسون.

وشكل فوز جونسون مفاجأة حيث كانت آخر استطلاعات الرأي تشير إلى تقارب بين حزب المحافظين وحزب العمال في حدود 9 نقاط للأول مما يعيق لأي فائز في الانتخابات من تشكيل الانتخابات بمفرده.

بيد أن النتيجة جاءت كاسحة بتأمين المحافظين أغلبية مريحة بعدد 365 من إجمالي عدد مقاعد البرلمان البالغ 650 مقعدا، بينما تعرض حزب العمال لخسارة هي الأفدح في تاريخه ليتراجع تمثيله إلى 203 مقعدا بخسارة 42 مقعدا.

ليس المرة الأولى التي تهتز فيها مكانة المناهج الكمية التي تستند إلى إرث من الثبات والقوة العلمية المبنية على أرقام في العلوم الاجتماعية والإنسانية.

فقد اهتزت الثقة أيضا مع نتائج الانتخابات الأمريكية في 8 و9 نوفمبر/ تشرين الثاني 2016، بعد فوز المرشح الجمهوري دونالد ترمب[1]. إذ أن استطلاعات الرأي في أغلبها كانت تشير إلى تقدم المرشحة الديمقراطية هيلاري كلينتون وأحياناً بفارق مريح.

فيما يلي ورقة بحثية كنت أعددتها في مجال العلوم السياسية تحت إشراف الأستاذة صوفي ريختر ديفرو في 2016 تناقش أبرز الملاحظات النقدية على استطلاعات الرأي في الانتخابات الأمريكية المنصرمة.

ونظرا لأوجه التشابه بين الظاهرتين الأمريكية والبريطانية، أعيد نشر هذه الورقة التي حاولت الإجابة على سؤالين: هل فشل استطلاعات رأي في توقع فوز ترمب دليل على خلل في المناهج الكمية؟ وكيف يمكن للباحث أن يتغلب على مكامن الضعف في هذه المناهج؟

 

brexit
الصورة من Pete Linforth from Pixabay

مواطن القوة والضعف في المناهج الكمية:

تسمح المناهج الكمية للباحث باستخلاص استنتاجات من الواقع بناء على قاعدة بيانات والقوانين الاحتمالية. كما توفر القدرة على استخلاص استنتاجات مفيدة للغاية في تقييم مدى التوقعات الأولية المستمدة من النظريات والتي تتفق مع الواقع[2]. ويعتبر بريمان أن عامل القياس من أبرز ما يعزز هذا المنهج بحيث يجري قياس المفاهيم وتحويلها إلى متغيرات مستقلة وتابعة لتفسير تحول أو ظاهرة اجتماعية ما[3]. وتدخل مناهج تحليل المضمون والاستبيان والمسح أو استطلاعات الرأي ضمن المناهج الكمية.

ورغم مزايا هذه المناهج التي تستمد قوتها من أنها عقلانية ومنطقية ومنهجية ومنظمة وتعتمد على الإحصاء والحواسيب الالكترونية، [4]إلا أنها تواجه بانتقادات من أبرزها أنها لا تستطيع فهم واكتشاف العالم السياسي والاجتماعي المعقد وبأن هناك علاقات سببية بين كثير من المتغيرات تعجز عن تحديدها وبأن مؤشرات القياس لا تنطبق على كل المتغيرات[5]. وبإيجاز شديد نستطيع القول إن المناهج الكمية تجيب عن سؤال “ماذا؟” لكنها غير مؤهلة للإجابة على سؤالي “كيف ولماذا؟” اللذين تتولى الإجابة عليهما بشكل أفضل المناهج الكيفية.

استطلاعات الرأي في الانتخابات الأمريكية:

أظهرت الغالبية الساحقة من استطلاعات الرأي خلال الصيف الفائت وقبيل الانتخابات تفوقاً ملحوظاً للمرشحة الديمقراطية هيلاري كلينتون بما في ذلك أثناء مؤتمري الحزبين الديمقراطي والجمهوري وكذلك خلال المناظرات الثلاثة[6]. وشملت استطلاعات الرأي كبريات وسائل الإعلام الأمريكية بالتعاون مع شركات هامة في مجال الإحصاء[7]، لكن النتيجة جاءت لصالح المرشح الجمهوري دونالد ترمب في المجمع الانتخابي بينما تفوقت كلينتون في التصويت الشعبي[8].

أرجع باحثون فشل استطلاعات الرأي في توقع الفائز إلى عوامل عدة قد لا تستطيع المناهج الكمية لحظ أو قياس بعضها بينها التأرجح في اللحظة الأخيرة وهو تغيير المقترع رأيه لصالح مرشح منافس وهو ما لا تستطيع المناهج الكمية لحظه[9].

ويؤخذ على المناهج الكمية عدم قدرتها على قياس كذب المشاركين في استطلاعات الرأي بسبب خجلهم من تسمية مرشحهم المفضل وهو ما حصل مع أنصار ترمب، هذا عدا عن أن المنتمين إلى جماعة غير محبوبة يخشون التعبير عن آرائهم حتى لا يقعون في العزلة أو تلقي الملامة وهو ما يعرف في الاتصال الجماهيري باسم نظرية “دوامة الصمت”، وهو ما حصل في انتخابات عام 1992 في بريطانيا حيث عرفت “نظرية الخجل”[10].

ويُسجل على المناهج الكمية الانحياز في بعض الأحيان إذ أن من يقوم باستطلاعات الرأي ليسوا رجالاً آليين يطرحون الأسئلة ويحللونها بحيادية بالإضافة إلى وسائل الإعلام تجري هذه الاستطلاعات بشكل استهلاكي[11]. وقد ظهر ذلك في وقوع المؤسسات الإحصائية وقعت في فخ “سلوك القطيع” حيث صبت أغلبها باتجاه هيلاري كلينتون[12].

تنزع النقاط المذكورة أعلاه الصدقية والدقة عن استطلاعات الرأي بالإضافة إلى أن أغلب الشركات التجارية التي تجري المسوح لا تكشف عن منهجيتها وتعتبرها جزءاً من الخلطة السرية[13]، وهذا ما يتعارض مع البحوث العلمية التي يجب أن تكون عامة ومتاحة للجميع للاطلاع عليها.

ومن جهة ثانية، يشير باحثون إلى مشكلة في المنهجية تتعلق بنوع العينة المختارة في استطلاعات الرأي حيث يعتقد بول وايتلي، أستاذ في جامعة إيسكس، أنه جرى الاعتماد على عينة الكوتا بدلاً من العينة العشوائية فهي ضمنت تمثيلاً للنساء والسود والشباب لكنها لم توفر تمثيلاً لكبار السن البيض، ولأولئك الأقل تعليماً، الذين لا يستخدم أغلبهم الانترنت للمشاركة في استطلاعات الرأي، بينما العينة العشوائية أكثر تمثيلاً لكنها تكلف وقتاً ومالاً أكثر، لكنها أيضاً تواجه تحدياً بفعل انخفاض نسبة المستجيبين على الهاتف إلى أقل من 10 في المئة[14].

وفي مقابل كل ذلك،  بينت أغلب استطلاعات الرأي التي أجرتها لوس أنجلس تايمز تقدم ترمب بنحو ست نقاط مئوية لكن صبيحة الانتخابات تقلص الفارق إلى ثلاث نقاط لصالح ترمب[15]. وتجري الصحيفة الأمريكية استطلاعاتها بالتعاون مع جامعة جنوب كاليفورنيا حيث تعتمد عينات ذات تمثيل متنوع وتلحظ مخطط بيان وزن معقد Weighting Plan لتجاوز الأخطاء في العينات[16]. وقد لاحظ مدير الأبحاث الاقتصادية والاجتماعية في الجامعة أن جمهوراً مؤيداً لترمب يخجل من إعلان ذلك، وبناء عليه تم استخدام استطلاعات الرأي عبر الانترنت وليس عبر أشخاص طبيعيين حتى لا يؤثر ذلك على المشاركين. كما أشار إلى أنهم افترضوا أن الأشخاص الذين لم يصوتوا في الانتخابات السابقة سينتخبون ترمب هذه المرة، وهو ما عزز من دقة نتائجهم[17].

الخلاصة:

نستنتج مما سبق أن توقعات الأحوال الجوية تختلف عن توقعات استطلاعات الرأي، فالأولى مبنية على علوم طبيعية والثانية على علوم اجتماعية. والناس تختلف عن الكواكب فيمكن أن تغير رأيها ويمكن أن تقرر عدم مشاركة آرائها مع الآخرين أو الكذب وهناك قضايا إحصائية تجعل الاستطلاعات غير دقيقة[18].

ولا يمكن الاعتماد بشكل مطلق على المناهج الكمية في دراسة العلوم الإنسانية والاجتماعية حيث أن هناك متغيرات تعجز عن قياسها وفي حالتنا مثلاً فقد أثرت سلباً على النتائج رسالة مدير مكتب التحقيقات الفدرالي جيمس كومي إلى الكونغرس، أحد عشر يوماً قبل الانتخابات، عن إعادة فتح التحقيق في بريد كلينتون الإلكتروني[19].

كما يتبين لنا أن استطلاعات الرأي التي أشرفت عليها مؤسسات أكاديمية واعتمدت منهجية علمية كانت أكثر دقة من تلك التجارية والتي أجرتها وسائل إعلام دون أخذ المعايير المنهجية بعين الاعتبار.

إذن، نخلص إلى أن هناك مكامن ضعف في المناهج الكمية قد يمكن تجاوزها بالاعتماد على المناهج المختلطة التي تجمع بين الكمي والكيفي للإجابة على كل الأسئلة، “ماذا؟ كيف؟ لماذا؟”، بالإضافة إلى أنه لا يمكن الوثوق بأي استطلاع رأي أو دراسة دون الاطلاع والتحقق من منهجيتها وتحري دقتها وسلامتها من الانحياز وعوامل أخرى ناقشناها في هذه الورقة.

المراجع:

[1]Chalabi, Mona. 2016. Yes, the election polls were wrong. Here’s why. November 9. Accessed November 27, 2016. https://www.theguardian.com/commentisfree/2016/nov/09/polls-wrong-donald-trump-election.

[2] Sprinz, Detlef F., and Yael Wolinsky-Nahmias . 2004. Models, Numbers, and Cases: Methods for Studying International Relations. University of Michigan Press. p: 129.

[3] Bryman, Alan. 2012. Social Research Method. 4th. New York: Oxford Univesrity Press. p: 163.

[4] Pierce, Roger. 2008. Research Methods in Politics. London: SAGE Publications Ltd. p: 42.

[5] Ibid., p. 44.

[6] FiveThirtyEight. 2016. Who will win the presidency? November 8. Accessed November 29, 2016. http://projects.fivethirtyeight.com/2016-election-forecast/#scenarios.

[7] TheNewYorkTimes. 2016. Latest Election Polls 2016. November 8. Accessed November 29, 2016. http://www.nytimes.com/interactive/2016/us/elections/polls.html?_r=0.

[8] CNN. n.d. Election Results 2016. Accessed November 29, 2016. http://edition.cnn.com/election/results.

[9] Whiteley, Paul. 2016. Four possible explanations why most of the polls got the US election wrong. November 11. Accessed November 29, 2011. https://theconversation.com/four-possible-explanations-why-most-of-the-polls-got-the-us-election-wrong-68619.

[10] Ibid.

[11] Chalabi, Mona. 2016. Don’t trust the polls: the systemic issues that make voter surveys unreliable. January 27. Accessed November 29, 2016. https://www.theguardian.com/us-news/datablog/2016/jan/27/dont-trust-the-polls-the-systemic-issues-that-make-voter-surveys-unreliable.

[12] Whiteley, op. cit.

[13] Bomey, Nathan. 2016. How did pollsters get Trump, Clinton election so wrong? November 9. Accessed November 29, 2016. http://www.usatoday.com/story/news/politics/elections/2016/2016/11/09/pollsters-donald-trump-hillary-clinton-2016-presidential-election/93523012/.

[14] Whiteley, op. cit.

[15] Emamdjomeh, Armand, and David Lauter. 2016. Where the presidential race stands today. November 29. Accessed November 29, 2016. http://graphics.latimes.com/usc-presidential-poll-dashboard/.

[16] Lauter, David. 2016. The USC/L.A. Times poll saw what other surveys missed: A wave of Trump support. November 8. Accessed November 29, 2016. http://www.latimes.com/politics/la-na-pol-usc-latimes-poll-20161108-story.html.

[17] Nathan, op. cit.

[18] Chalabi, op.cit, 2016. November,9.

[19] ارشيد, أسامة أبو. 2016. كيف نفهم ما جرى في الانتخابات الرئاسية الأميركية؟ . November 23. Accessed November 29, 2016. http://www.dohainstitute.org/release/9b07e78c-1fd2-4ebf-a43e-6fc012302b2f.

رأي واحد حول “بعد اكتساح جونسون وقبله ترمب.. لماذا فشلت استطلاعات الرأي؟

  1. اشكرك كثيرا استاذ ابراهيم ، صدمت حقاً بنتيجة الساحقة كنت اتوقع فوز المرشح المحافظين ولكن ليس بتلك الاغلبية الساحقة ، الشيء الذي لم تضفة في بحثك هو التالي؛

    شعوبنا العربية شعوب صريحة فاذا كانت سئية صريحة واذا كانت ظالمة واضحة واذا عنصرية قاسية وكلها علي العلم بينما هنا خاصةً في بريطانيا حيث اعيش العنصرية ضدها قوانين لايستطيع ان يتجاوزها المرء ولديهم بطبيعتهم نفاق اجتماعي ف هم بالواقع يكرهون كثرة الاقليات في بريطانيا ولكن لايستطعون ان يقولها صريحة حتي الافراد الذين تراهم كل يوم يكذبون عليك ويقولون سوف نصوت حزب العمال في وجهك لمجرد ان وجهك يقول الكثير ( يقول انك من اصول مهاجرين ويقول انك مسلم كوني مراة محجبة فبتالي) اذا قالت لك سوف اصوت محافظين هذا يعني انها عنصرية لذلك اغلب الذين صوتوا في استفتاء الخروج من اوربا عاملهم الناس بمعاملة حقيرة جداً جعلتهم يتحفظون علي اجوبتهم وينقلب الجزء الثاني الذي صوت ببثاء بالخروج ولذلك ايضا اضيف الشعب الانجليزي معروف بالخبث والازدواجية تعامل راقي محترم من امامك وهو يمقتك من داخل ويمقت كل مل تمثلة !!

    ولكن اسكتولندا والشعب الاسكتولندي شعب دمه حار كم احب انصفه شعب لديه قوميه وحميه وغيرة معروفين فيها في بريطانيا لم يتغير تصويته بل تمسكوا فيه اكثر واكثر اتوقع الاستفتاء يفيد لدول كدولنا المسلمة الصريحة وليس دول اخترعت وصدرت لناس النفاق السياسي واصول المراوغة في النقاشات

اترك تعليقًا

إملأ الحقول أدناه بالمعلومات المناسبة أو إضغط على إحدى الأيقونات لتسجيل الدخول:

شعار ووردبريس.كوم

أنت تعلق بإستخدام حساب WordPress.com. تسجيل خروج   /  تغيير )

Facebook photo

أنت تعلق بإستخدام حساب Facebook. تسجيل خروج   /  تغيير )

Connecting to %s