إعلان الأمين العام السابق لحزب الله حسن نصر الله منتصف عام ٢٠١٥ أن طريق القدس يمر في القلمون والزبداني وحمص وحلب ودرعا والسويداء والحسكة جاء تعبيرا عن عقيدة قتالية مترسخة بأن الحزب لا يمكن أن يقاتل إسرائيل وظهره مكشوفا في سوريا لما كان يسميها العصابات الإرهابية والتكفيرية والتي تنخرط ضمن مشروع إسرائيلي وفق سردية حزب الله أو حتى استراتيجية حركة فتح بأن طريق القدس يمر من جونيه الواقعة شمال بيروت وفق تصريح منسوب للقيادي أبو إياد إبان الحرب الأهلية اللبنانية. لكن أن يتجاوز نصر الله في خطابه الشهير هذا جغرافيا المحافظات السورية الثائرة ليعبر طريق القدس وفق ما قال كل من العراق والبحرين واليمن فإنه يدل بشكل واضح على عقيدة دينية طائفية تحت مظلة ما يعرف بالولي الفقيه بينما تترجم في السياسة والاستراتيجيا إلى مصطلح “محور المقاومة”. في كل الأحوال، دفع الرجل ومعه قادة الحزب من الصف الأول والثاني ونخبة عسكرييه الثمن بأرواحهم إيمانا بهذا المشروع.

لكن على المقلب الآخر.. فإن طريق القدس وفق الثائرين يمر أيضا بقصر المهاجرين في دمشق، إذ لا يمكن عبور هذا الطريق إلا بإسقاط نظام مستبد اتخذ من فلسطين اسما لأقذر أفرع المخابرات في سوريا. كما أن هؤلاء الثائرين فإن حريتهم في قرارهم الوطني مفتاح رئيسي لحريتهم على المستوى الإقليمي أو ما يعرف بالعربي والإسلامي. فاستنادا إلى حقائق التاريخ والجغرافيا فإنه خلال سنوات حكم حافظ الأسد وبعد حرب ١٩٧٣ لم تطلق رصاصة واحدة في الجولان ضد إسرائيل حتى من بندقية صيد. وعندما يكشف سقوط نظام بشار الأسد عن وثائق في مكتب وزير الدفاع تثبت تنسيقه مع الجانب الإسرائيلي أثناء شن ضربات على القوات الإيرانية في سوريا، إضافة إلى سجلات في أفرع المخابرات كلها للتجسس على الشعب وميوله الدينية وممارساته اليومية، فإن السؤال هنا يكون أكثر من مشروع بشأن جدية النظام المخلوع في مواجهة إسرائيل؟
وخلافا لدهاء الأسد الأب في الرقص على رؤوس الأفاعي كما اشتهر الرئيس اليمني الراحل علي عبد الله صالح فإن الأسد الابن وضع كل رهانه على محور روسي إيراني حيث يقول مؤيدوه إنه بهدف مواجهة المشروع الأمريكي الإسرائيلي، لكن معارضيه يؤكدون أن الغاية بقاءه في الحكم بعد مساع أمريكية لإعادة رسم خريطة المنطقة ابتداء من غزو العراق.
وبالعودة إلى طريق القدس، شاغلة الدنيا ومالئة الناس، فإن هناك أيضا من يرى أن هذا الطريق لا يمكن مجرد تلمس بدايته قبل “التحرر” من الفقر والتهميش والجهل والظلام بمعانيه الرمزية والمباشرة. فأذكر يوما كنت في غرفة الأخبار أشاهد شاشات تستعرض لنا صورا مباشرة من حيفا وتل أبيب وأخرى من عاصمة لبنان المكناة بأم الشرائع بيروت. فأم الشرائع هذه التي تحولت إلى أم الفوضى غارقة في ظلام دامس بفعل احتلال طائفي داخلي استحكم بالبلاد ومفاصلها وأفلس مؤسساتها وأغرقها بفساد جعلها عاجزة عن توفير الكهرباء. فما بالكم ببقية الخدمات الأساسية لا بل حتى بالحق بالأمن والأمان؟ أما تلك الصور الآتية من حيفا وتل أبيب والتي تتأهب فيها صفارات الإنذار للدوي حماية لساكنيها في ملاجئ محصنة فهي مشعة براقة تعكس نموا وازدهارا وتطورا. قد يرى البعض خطابا استشراقيا في ما تقدم، ربما لكنها حقيقة أدركها هذا العدو الذي ينتظر العرب رحيل أتباعه منذ ١٩٤٨ عند كل معركة اعتقادا منهم أنهم جبناء وينتمون لدول أخرى. بينما على العكس، إذ رفع العرب شعار لا يعلو فوق صوت المعركة، كان عدوهم يعلو صوت البناء والتطور والعلم بالتوازي مع التجهيز للمعركة.
في المحصلة، لا يمكن أن يسلك طريق القدس جائع أو مظلوم أو جاهل أو محروم . ولا يمكن أن يحرر القدس طاغية وفاسد وسارق وطائفي. وقبل كل ذلك، لنسأل أهل القدس فهم أدرى بأبواب مدينتهم بدلا من التطوع بفرض مشاريع عليهم لا تسندهم ولا تنتشل شعوب المنطقة من مستنقعات الحرمان من أدنى حقوقهم الأساسية في الحياة.